صديق السلطان الشخصى
لم يكن فى السوق من يشك فى نزاهة العطار كانت كلمته عهد ووعد لذلك اندهش الناس وهم يرونه يرفس رجل غريب فيطرده خارج المحل ويصيح فيه:" أتتهمنى انا بالسرقة يافاسق؟ انا اسرق منك عقد من اللؤلؤ ياوغد؟"
والتف الناس حول العطار يهدئونه وحاولت قلة منهم ان تأخذ الرجل الغريب بعيدا وكان يبكى ويقسم بأغلظ الأيمان ان العطار سرق منه عقد ثمين من اللؤلؤ استودعه عنده قبل ان يسافر ولكن لم يكن عنده دليل وسمعة العطار أنصع من أن يصدق الناس مثل هذه الادعاءات وقالوا للرجل : انه من الأفضل أن ينسى ومن المستحسن ان يبعد عن السوق نهائيا
لكن الرجل الغريب لم يبتعد كثيرا وذهب الى قصر السلطان السلجوقى "عضد الدولة " فى بغداد وكتب قصته على قرطاس وظل واقفا بالباب ثلاثة ايام حتى تم السماح له بالدخول وحكى قصته للسلطان الذى بادره بالسؤال عن شهوده على ايداع العقد لدى العطار وكان رد الرجل انه ليس معه اى شهود لأن العطار فوق الشبهات ولايعرف الناس عنه الا كل خير واوشك عضد الدولة ان يصرفه لكنه لايدرى لماذا احس بالتعاطف معه
فكر قليلا ثم طلب منه ان يذهب من الغد الى دكان العطار يحاول ان يطالبه بالعقد مرة اخرى فأذا رفض فعليه ان يذهب للطوار(الرصيف) المقابل له ويجلس عليه من الصباح للمساء لايكلمه ولايتحرك من مكانه الا للضروريات وفى اليوم الرابع سيأتيه عضد الدولة بنفسه وعليه ان يكون جالسا عندما يكلمه السلطان ويريد اجابات مختصرة ومبهمة
وفعل الرجل كما امره عضد الدولة فذهب للعطار وطالبه بالعقد للمرة الثانية ولكن العطار كان مستعدا له هذه المرة فلم يناقشه ولكن امر صبيانه فقفزوا على الرجل واوسعوه ضربا ولكما ثم القوه فى الشارع فتحامل على نفسه وزحف الى الرصيف المقابل وجلس عليه ونظر العطار اليه وهز كتفيه وواصل بيعه وشرائه
عندما اغلق العطار دكانه كان الرجل موجودا على الرصيف وكان موجودا فى الصباح عندما اتى العطار ليفتح دكانه فبدأ يحس بالضيق رغم كثرة البيع لم يستطع التشاغل عنه وفكر ان يذهب ويضربه مرة اخرى ولكن بأى حجة ؟
وظل الرجل جالسا فى حر الظهيرة وبرد المساء واصبح بعد يومين كأنه قطعة من الرصيف ولكنها قطعة حية تتحرك فيها عينان لاتنامان وفى اليوم الثالث لم يطق العطار صبرا فخرج اليه واخذ يسبه ويشتمه ثم ركله عدة ركلات ولكن الرجل لم يتحرك من مكانه
فى اليوم الرابع ظهر السلطان وحوله الوزراء والحرس واجتمع كبار تجار السوق يحيونه ويقبلون يديه وسار فى السوق حتى وقف امام الرجل الجالس على الرصيف ونظر اليه قائلا فى دهشة :" كيف حالك ؟ماهذا يارجل تأتى الى بغداد ولاتمر علينا ؟ الا تريد شيئا ؟ "
وتلاحقت الاسئلة والرجل الغريب لايرد الا بهمهمات غامضة وظل جالسا والسلطان واقف بل وأدار وجهه للناحية الأخرى ووقف السلطان يسأله ويلح عليه .....كل ذلك والعطار واقف يكاد ان يغمى عليه لم يتصور ان هذا البائس الحقير صديق شخصى للسلطان لهذه الدرجة وعندما انصرف السلطان ظل الرجل فى مكانه ولكن
اقبل العطار مسرعا تحوه وهو يقول ::"ويحك ياسيدى متى اودعتنى هذا العقد ؟ وفى اى شىء كان ملفوفا ؟ وماشكله ؟ يبدو انى نسيت والله نسيت وجل من لايسهو " والرجل صامت ولايكلمه ....عاد العطار الى دكانه يفتش مذعورا حتى فتح جرة قديمة اخرج منها العقد ورجع للرجل وهو يبالغ فى الأعتذار وان ذاكرته قد ضعفت مع الايام وقدم له العقد
فى صباح اليوم التالى فوجىء اهل السوق بالعطار النزيه مصلوبا على باب دكانه والعقد معلق برقبته وبجواره منادى ينادى " هذا جزاء من استودع فخان"