كنت أخرج عصرًا أنا وصديقي أيمن نشرب عصير القصب.. أولاً لأن أيمن -لسببٍ لا يعلمه إلا الله- كان يؤمن أن الشعراء يحبّون عصير القصب. ثم نذهب إلى قحافة.. القرية الصغيرة المجاورة لطنطا. نجلس على الترعة وننشد الشعر بينما الشمس تغرب.. يكتب كل واحد بيت شعر ثم يكتب الآخر بيتًا تاليًا له نفس الوزن وحرف الروي.
"لو ترين ما أراه من خشوع وجمالِ
صفحة الماء عليها روعة تُزكي خيالي"
وتطول القصيدة..
الحمدلله أن هذه الأبيات ضاعت.
ذات مرة كنت أتبضع في محل، ولاحظت فتاة في مثل سنّي، بارعة الحسن. كان أخوها الصغير يكلمها؛ فتضحك في وجهه ويشرق وجهها، ثم تستدير لي في ربع ثانية لألتقط ذات الضحكة قبل أن تغيب.. أي هي تعطي الضحكة لأخيها وتمنحني كسرة بسيطة منها بالمرّة.
رسالة واضحة معناها:
"أنا أضحك لك أنت يا أحمق!".
بالطبع لم تكن لدي أي خطة للتحرّك بعد ذلك ولا أعرف ما يمكن عمله.. الكلاب تنبح وراء عربة الرّش فإذا لحقت بها لم تعرف ما تفعله.
هكذا انتهى الموقف لكن طريقتها الأنثوية المراوغة هزّتني فعلًا. هي شيء كالنسيم لا يمكن أن تمسك به، ولو طلبت منّي وقتها أن أتبعها لآخر العالم لفعلت.. عدت للبيت وكتبت هذا البيت:
"مثل النساء جميعهن تعلمتْ كيف الكلامُ بدون أن تتكلما"
ولم يفتح الله علي ببيتٍ ثان قط. وما زلت حتى اليوم بعد مرور خمسة وثلاثين عامًا أنتظر قدوم الإلهام لأكتب البيت الثاني!. أطول سُدّة كتابية رأيتها في حياتي!
• من مقال: إستقالة شاعر.
#أحمد_خالد_توفيق ...
العراب أحمد خالد توفيق
•