كل فن حقيقي سياسي
رفضت توني موريسون الروائية الإفرو- أمريكية، الفائزة بنوبل للآداب عام 1993 أن تكتب رواية يكون بطلها الرئيسي أبيض، وحين سئلت عن السبب أجابت أنه هو السبب ذاته الذي يجعل الكتاب البيض لا يختارون الأسود شخصية رئيسية، وتقول إنها لم تنشغل بعالم البيض خلال طفولتها، لذا لم تظهر شخصيات بيضاء مهمة في كتبها .
ليس بوسع مجتمع عانى طويلاً التمييز العنصري أن يشفى بسرعة من آثار ذلك، في التكوين النفسي بشكل خاص، حين يتعين التحرر لا من الشعور بالاضطهاد الطويل وحده، وإنما من الشعور بالدونية أو النقص أيضاً، ومعالجة الألم الذي يسببه شعور المرء بالظلم بسبب لون بشرته .
في طفولتها اهتمت توني موريسون بالباليه . تمنت لو تصبح راقصة باليه، وتابعت دروس الرقص سنوات طويلة، لكن الكتابة ظلت حاضرة في مكانٍ ما في رأسها، ولأنها كانت أول من التحق بالجامعة في عائلتها، فإن العائلة تمنت لو أنها عثرت على عمل مناسب، مما أبعد راقصة الباليه، وأحل محلها أستاذة الجامعة، الأمر الذي لاءم العائلة .
بين أسباب أخرى جعلتها تكتب تأتي رغبتها في أن تسمع صوت المجتمع الأسود الأمريكي، وكسر الصورة النمطية التي شكلتها عنه كتابات أسلافها وقرناؤها من الكتاب السود، يفسر ذلك أنها لم تتوجه إلى الكتابة إلا على مشارف الأربعين .
ومع أنها لم تتوقع أن تمنح نوبل جائزتها لروائية سوداء، لا بل لأي روائية، لكنها حين منحت الجائزة، قالت إنها لم تمنح لها، إنما لكتبها، التي تستحق الجائزة برأيها، لذا لم تشعر بأن نيلها الجائزة يرتب عليها مسؤوليات جديدة، قائلة: "لقد ميزت على الدوام بين هذه الفائزة بالجائزة وأنا . إنهما شخصيتان مختلفتان: إحداهما هي الشخصية التي تبتسم، وثانيتهما هي هذه المرأة التي شرعت في الكتابة، وهي حياتي" .
ومع أنها لم تفكر في أن تكون سياسية، لكنها تعتقد أن كل فن حقيقي سياسي، وأن تحويل أي شيء لا سياسياً هو فعل سياسي في حد ذاته . إذ يتحدث "شكسبير" في مسرحياته عن الحكومة، والحرب، والسلطة، فكل هذا سياسي في نظرها . بسبب الحرب الباردة ومناهضة الشيوعية ساد في أمريكا مبدأ ألا يكون الفن إلا جمالياً . وهكذا، حُرف معنى كلمة "سياسة"، وتمت مساواتها بالدعاية .
لذا ترى أن عملها، وهي تكتب، يكمن في إحياء العلاقة بين السياسة والأدب بما للكلمة من معنى .
- See more at:
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/F6FA102C-F239-42E2-8F1A-2AB0F44F67AA#sthash.A8s6r2kI.dpuf